منتديات الجزائر العربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائر العربية

المنتدى يجب ان يكون اخضر
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير -

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هارون الرشيد
Admin



المساهمات : 549
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
العمر : 26
الموقع : https://3arabia.ahlamontada.net/u1

شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير - Empty
مُساهمةموضوع: شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير -   شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير - Emptyالجمعة أبريل 13, 2012 7:58 am

[center]بسم الله الرحمن الرحيم

السلآم عليكم ورحمة الله

شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير - فضيلة الشيخ/ طارق بن عوض الله


المتعلق بالاعتبار والمتابعات والشواهد

إن
الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

موعدنا
اليوم -إن شاء الله تعالى- مع نوع آخر من أنواع علوم الحديث وهو النوع
الخامس عشر وهو المتعلق بالاعتبار والمتابعات والشواهد، هذا النوع يعتبر
متمما للنوعين السابقين وممهداً للأنواع الآتية بعده -إن شاء الله تعالى-
مما يتعلق بأبواب علل الأحاديث.

ذكرنا في اللقاء الماضي أن الحديث
الشاذ أو المنكر إنما يحكم بشذوذه أو بنكارته إما بالتفرد وإما بالاختلاف
الواقع بين الرواة فكيف نعرف إن كان الراوي تفرد أو لم يتفرد؟ كيف نعرف إن
كان تابعه غيره ووافقه غيره على ما روى أم لم يوافق على ذلك؟ كيف نعرف إن
كان خالفه غيره فيما روى أم لم يخالف في ذلك؟ ذلك ما يعرفه علماء الحديث
-عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- بطريق الاعتبار، الاعتبار أي اعتبار
الروايات أي تتبع الروايات استقراء الروايات, سبر الروايات في كتب الحديث
وفي صدور الرجال، ليظهر لهم بعد أن يجمعوا الأحاديث الواردة في هذا الباب
أو عن هذا الراوي أو عن هذا الصحابي أو نحو ذلك، فيجمعون هذا كله ويجعلونه
في صعيد واحد ليتبين لهم من تفرد ومن ووفق من قبل غيره ومن خولف من قبل
غيره من الرواة، فهذا هو موضوع حديثنا المتعلق بالاعتبار وما ينتج عنه من
معرفة المتابعات والشواهد.

يقرأ علينا المذيع ما يتعلق بهذا الباب ثم نأتي عليه -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل والشرح والبيان:

قال المصنف -رحمه الله تعالى- (النوع
الخامس عشر في الاعتبار والمتابعات والشواهد مثاله، أن يروي حماد بن سلمة
عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- حديثاً فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد
عن أبي هريرة أو غير أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهذه
متابعات، فإن روي معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر، سمي شاهداً لمعناه وإن
لم يرو بمعناه أيضاً حديث آخر فهو فرد من الأفراد ويغتفر في باب الشواهد
والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف، ما لا يغتفر في الأصول،
كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك، ولهذا يقول الدارقطني في بعض
الضعفاء: «يصلح للاعتبار، أو لا يصلح أن يعتبر به » والله أعلم
.)

علماء
الحديث -رحمهم الله تعالى- كما قلنا إذا أرادوا أن يعرفوا هذا الحديث الذي
رواه ذلك الراوي هل هذا الراوي تفرد به أم لا؟ تابعه غيره أم لا؟ خالفه
غيره أم لا؟ يجمعون روايات هذا الراوي من جهة والروايات الأخرى الواردة في
هذا الباب الذي يندرج تحته ذلك الحديث الذي جاء به ذلك الراوي الأول، ثم
يجعلون ذلك في صعيد واحد ويتأملونه ويدرسونه وينظرون فيه نظرة النقد
والبحث فيتبين لهم من خلال تلك النظرة أن هذا الراوي تفرد لأنه لم يأت بما
جاء به غيره من الرواة فيحكمون بتفرده أو أنه وافقه غيره فيجدون هذا
الراوي قد تابعه غيره أو جاء غيره بمثل ما جاء به إسناداً ومتناً أو متناً
فقط, كل ذلك وارد ويوجد له أمثلة كثيرة في الروايات، راو آخر جاء بحديث
فيتبين للعلماء -رحمهم الله تعالى- أنه جاء بما قد خالف فيه غيره،
فيعاملون هذا معاملة الاختلاف وينظرون هل هذا من الاختلاف المؤثر أم ليس
من الاختلاف المؤثر هل هذا الاختلاف يقدح في الحديث أو لا يقدح في الحديث؟

الطريق
التي يسلكها العلماء لمعرفة إن كان هذا الراوي تفرد أو لم يتفرد توبع أو
لم يتابع خولف أو لم يخالف يسمى عندهم بالاعتبار، هذا هو الاعتبار أو معنى
الاعتبار في اصطلاح علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.

ولهذا
تجد كما أشار الإمام ابن الصلاح تجد العلماء يقولون: فلان يصلح للاعتبار
وفلان لا يصلح للاعتبار، هذا راجع إلى حال الراوي نفسه فليس كل من روى
رواية وافق فيها غيره يكون ذلك كافياً لأن نعتبر بروايته أو أن نستشهد
بروايته أو أن نستأنس بروايته وهذا سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى- لكن
هذا هو المقصود من كلمة الاعتبار حيث ترد في كلام المحدثين وإن كان لها
معنى آخر سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.

العلماء قالوا هذا
الاعتبار ينتج عنه معرفة المتابعات ومعرفة الشواهد، ويقولون المتابعة أن
يأتي الراوي بما قد جاء به غيره إسناداً ومتناً فالراوي لم يتفرد إنما
وجدنا راوياً آخر وافقه فيما جاء به من شيخه فصاعداً ثم المتن هو المتن
الذي جاء به الرجلان فنسمي تلك متابعة وهو مثل لذلك بحديث يرويه حماد بن
سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى
الله عليه وآله وسلم- وهذا المثال ذكره من قبله ابن حبان في مقدمة كتابه
الصحيح، لو أننا وجدنا حماد بن سلمة لم يرو الحديث عن أيوب وغيره، حينئذٍ
سنقول إن حماد بن سلمة تفرد بالحديث ولم يتابع عليه لكننا إذا وجدنا غير
حماد يروي الحديث أيضاً عن أيوب فحماد حينئذٍ تفرد أم توبع من قبل غيره؟
توبع من قبل غيره فهو لم يأت بالحديث وحده عن أيوب، بل جاء به غير حماد
أيضاً عن أيوب فإذن حماد لم يتفرد بالحديث عن أيوب وإنما وافقه غيره في
رواية ذلك الحديث عن أيوب، فحماد إن وافقه غيره فنسمي تلك الموافقة متابعة
وتجد في كلام علماء الحديث فلان تابعه فلان يقصدون بالمتابعة هذا المعنى
أي أن غيره وافقه في رواية الحديث نفسه عن شيخه فصاعداً إلى رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- بالمتن أيضاً فالراوي لم يتفرد ولم يأت بشيء من
قبل نفسه، ولم يأت بشيء لم يتابعه عليه غيره، بل جاء بما قد وافقه عليه
غيره وتابعه عليه غيره، فتلك متابعة وهي من أعلى درجات المتابعات وتسمى
بالمتابعة التامة.

لماذا هي تسمى بالمتابعة التامة، لأن هذا الغير
الذي وافق الأول، وافقه من شيخه فصاعداً أي في كل ما جاء به من الرواية،
في اسم شيخه وشيخ شيخه، إلى آخر الإسناد ثم المتن هو المتن فلم يخالفه في
جزء من الرواية فضلاً عن كلها، فإذا وافقه هذا المتابع في الرواية كلها
يسمى تلك المتابعة تامة لأنه تابعه على الرواية بكمالها بكل جزئياتها، لكن
هب أن المتابع لحماد بن سلمة لم يوافقه على رواية الحديث عن أيوب، وإنما
وافقه فقط في رواية الحديث عن محمد بن سيرين، بمعنى غير حماد روى الحديث
عن غير أيوب عن محمد بن سيرين، فهو قد وافقه في مخرج الحديث وأنه عن محمد
بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لكنه لم
يوافقه في جعله الحديث من حديث أيوب خاصة وإن وافقه من شيخ أيوب فصاعداً
فهذه أيضاً متابعة هي جزء من متابعة أو صورة من صور المتابعات، ولكنها
تسمى متابعة قاصرة، لأنها ليست في كل الرواية وإنما في بعضها هو تابعه على
جزء من الرواية ولم يتابعه على كل الرواية، وإلا فما زال حماد بن سلمة
متفرداً بجعله الحديث عن أيوب وقد يكون مخطئاً حماد بن سلمة في ذلك
والحديث إنما يحفظ عن غير أيوب عن ابن سيرين، ثم جاء حماد بن سلمة فجعله
عن أيوب عن ابن سيرين فهذا الجزء الذي تفرد به حماد بن سلمة هذا القدر من
الرواية الذي تفرد به حماد بن سلمة هو جعل الحديث عن أيوب خاصة هو لم
يتابع عليه ولم يوافق عليه من قبل غيره فحينئذ قد ينسب حماد بن سلمة إلى
الخطأ فنقول أخطأ حماد في جعله الحديث عن أيوب وإن كان الحديث محفوظاً عن
شيخ أيوب وهو محمد بن سيرين، فلهذا سمينا هذه الصورة بالمتابعة القاصرة
وإن كانت مندرجة تحت اسم المتابعات عموماً.

أيضاً لم نجد الحديث
يرويه غير حماد لا عن أيوب ولا عن ابن سيرين، وإنما وجدنا غير حماد يرويه
عن غير أيوب عن غير ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، إذن الحديث
القدر الذي اتفق عليه الراويان هو فقط جعل الحديث من حديث أبي هريرة عن
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإن اختلفوا في شيخ حماد وفي شيخ شيخ
حماد.

ولكنهم اتفقوا فقط في جعل الحديث عن هذا الصحابي الجليل أبي
هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- ثم فيما رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى
الله عليه وآله وسلم- من متن الحديث فتلك كما يشير ابن الصلاح -رحمه الله
تبارك وتعالى- أيضاً من المتابعات ولكنها أيضاً متابعة قاصرة وهي دون
القاصرة الأولى لأنه كلما كانت نسبة الموافقة بين الروايتين أقل كلما كانت
هذه المتابعة أضعف وأقل دلالة على دف التفرد ودفع الخطأ عن حماد بن سلمة.

لكن
لو أننا وجدنا الحديث نفسه بنفس المتن الذي جاء به حماد بن سلمة عن أيوب
عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وجدنا
المتن نفسه المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولكن من
رواية صحابي آخر، ليس عن أبي هريرة ولكن مثلاً عن أبي سعيد الخدري، فهذا
ماذا نسميه؟.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يذكر أن ذلك يسمى
شاهداً حتى ولو كان اللفظ هو اللفظ, حتى ولو كان الحديث هو الحديث، وهذه
الصورة لم تقع في كلام الإمام ابن الصلاح إلا على أنها من المتابعات لأنه
ذكر في كلامه أنه إذا رواه غير أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم- قال فهذه متابعات.

ابن حجر جعل ذلك أيضاً من الشواهد
جعل هذه الصورة فيما إذا اختلف الصحابي والمتن هو المتن، فيجعل ذلك من
الشواهد ما دام أن الصحابي للحديث اختلف ما دام أن الصحابي اختلف فالحديث
حديث آخر حتى لو كان بنفس اللفظ الذي جاء به الصحابي الآخر.

ابن
الصلاح يخص الشاهد بما كان بالمعنى فقط فإذا وجدنا صحابياً آخر يروي
حديثاً آخر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتضمن هذا المعنى الذي
تضمنه الحديث الذي جاء به أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله
وسلم- فتلك هي الشاهدة عند ابن الصلاح ولكنها عند الإمام ابن حجر
العسقلاني هي من الشاهد وانضموا أيضاً إلى الشاهد فيما إذا تغير الصحابي
حتى وإن كان الحديث بنفس لفظ الحديث المشهود له، وهذه بطبيعة الحال
اختلافات لفظية لا تأثير لها وإلا فالشاهد والمتابع كثيراً ما يرد هذان
اللفظان كل منهما في موضع الآخر فربما يعبرون عن الشاهد بالمتابعة
والمتابعة بالشاهد وهذا من باب التوسع في الاصطلاح، لكن المهم أن علماء
الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- يقصدون من ذلك ماذا؟ يقصدون من ذلك
معرفة إن كان الراوي تفرد أو لم يتفرد توبع أو لم يتابع خولف أو لم يخالف
حتى يبنون على ذلك إن كان هذا الحديث محفوظاً أم ليس محفوظاً صواباً أو
ليس صواباً.

فإذا كان الحديث كما ترون لا هو وقع في صورة من صور
المتابعات التامة أو القاصرة ولا وجدنا له شاهداً بمعناه في رواية أخرى
فحينئذ نحكم على الحديث بأنه من الأفراد, وهذا من التفرد المطلق؛ لأن
الحديث لا يروى له من وجه آخر لا عن هذا الصحابي ولا عن هذا التابعي ولا
بالمعنى ولا باللفظ فإذن صار الحديث من هذه الحيثية فرداً وهو من التفرد
المطلق الذي لم يرو على أي صفة ولا على أي وجه آخر من أوجه أخرى.

ثم
ذكر أن الشواهد والمتابعات إنما يغتفر فيها، ماذا يغتفر؟ في الأصول، وهذا
كلام صحيح؛ لأن الأصل إذا كان عندنا ثابتاً من الممكن أن نؤيده وأن نستشهد
له وأن نقويه أكثر بما قد لا يقوم بنفسه لأننا فرق بين أن أعتمد رواية أو
أن أعتمد رواية أو أن أستشهد بها لتقوية ما هو معتمد فإذا كان عندنا أصل
صحيح ثابت محفوظ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا بأس بعد ذلك
أن أضم إلى هذا الأصل الصحيح بعض الروايات التي فيها ضعف ما من سوء حفظ
بعض الرواة أو قلة ضبطهم أو انقطاع خفيف في الإسناد ما دام أن هذا كله
الغرض منه تقوية ما هو قوي، تدعيم ما هو أصل في ذاته مدعمٌ ومؤسس على أصل
صحيح لكن فرق بين هذه الصورة وبين أن أعمد إلى روايات كلها ضعيف وكلها ليس
لها أصل يرجع إليه ثم أقول إن باب الشواهد يتسامح فيه.

إنما يتسامح في باب التسامح فيما إذا كان المشهود له صحيحاً ثابتا أصلاً ثم بعد ذلك ننظر فيما يقويه ويؤكده ويدعمه أكثر.

هذا
الباب الذي هو من أبواب علل الأحاديث وكما ترون هو باب يحتاجه كل ناظر في
الحديث فالذي يريد أن يعرف صحة الحديث من عدم صحته لابد وأنه سيحتاج إلى
باب الاعتبار، لأنه سيكون بين يديه حديث إسناد ومتن هو يريد أن يحكم عليه
ويميز هل هو من الصحيح أم ليس من الصحيح؟ هل هو من المحفوظ أم ليس من
المحفوظ؟ فلابد أن يعرف هذا الراوي الذي تفرد به أم لم يتفرد؟ تابع أم لم
يتابع؟ خولف أم لم يخالف؟ لأن بمعرفته لهذه الأمور سينبني على ذلك الحكم
الذي يستحقه ذلك الحديث من حيث القبول أو الرد، فإذن ما من باحث إلا وهو
في حاجة إلى هذا النوع من أنواع علوم الحديث.

وبالنظر في تعامل
علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- مع هذا النوع من أنواع علوم
الحديث يتبين أنهم -رحمهم الله تبارك وتعالى- يدققون جدًّا في نقاط في
غاية الأهمية وكثير من الباحثين يغفل عن هذه النقاط ولا يعتبرها حيث
اعتبرها علماء الحديث -عليهم رحمة الله تعالى- فرأيت أن ألخصها في عدة
نقاط لأبين من خلال هذه النقاط مناهج علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك
وتعالى- في اعتبار الروايات وتمييز المحفوظ منها من غير المحفوظ.

فأولاً:
علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- عندما يعتبرون الروايات لا
ينظرون فقط في الروايات المرفوعة المتصلة إلى رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم- لا شك أن المرفوع المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله
وسلم- هو من أفضل الأسانيد وأفضل الروايات، ولكن علماء الحديث حيث يعتبرون
هم يجمعون كل ما يندرج تحت هذا الباب مما يمكن أن يستدل به على صحة الحديث
أو عدم صحته، فحينئذ هم لا يكتفون عندما يعتبرون أي يجمعون ويحصرون
الروايات الموجودة في كتب الحديث وفي صدور الرجال لا يكتفون فقط بالروايات
المرفوعة أو الروايات المتصلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بل
يجمعون كل شيء يمكن أن يندرج تحت هذا الباب.

كما قال أبو حاتم
الرازي -رحمه الله تعالى- «إذا كتبت فقمش ثم إذا رويت ففتش » يعني إذا
أردت أن تجمع الروايات لتعتبرها فاجمع الغث والثمين فاجمع كل ما ينفع وما
لا ينفع فرب خطأ يهدي إلى كثير من الصواب، ورب حديث يرشدك إلى معنى في
حديث آخر، ورب رواية ترشدك إلى علة وقعت في رواية أخرى فينبغي عليك أن
تكثر من الجمع ولهذا كان الإمام علي بن المديني -رحمه الله تبارك وتعالى-
يقول «الباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين خطؤه » فلابد أن تكثر من الجمع
وهذا هو الأمر الذي يتميز به علماء الحديث عن غيرهم فعلماء الحديث لا
يكتفون بالنظرة السطحية في الإسناد فيقولون هذا إسناد يشتمل على رواة هذا
الراوي ثقة وذاك ثقة، وهذا ثقة وكل قد سمع من شيخه إذن الحديث صحيح، هذه
نظرة سطحية لا يعتبرها علماء الحديث ولا يكتفون بها ولا يغترون بظاهرها
وإنما يتتبعون الروايات فلربما كان هذا الثقة وإن كان هو من جملة الثقات
أخطأ في هذا الحديث بخصوصه، فكيف نميز إن كان هذا الحديث مما أصاب فيه أو
مما أخطأ فيه؟.

بجمع الروايات وضرب بعضها ببعض وعرض بعضها على بعض فيتبين من ذلك ما أصاب فيه المصيب وما أخطأ فيه المخطيء.

فلربما
مثلاً كان الحديث مما اختلف فيه الرواة رفعاً ووقفاً بعضهم يروي الحديث
مرفوعاً والبعض الآخر يرويه موقوفاً والذي رفع أخطأ بينما الصواب مع من قد
وقف الحديث، فإن أنت لم تعرف من الباب إلا المرفوعات لن تتنبه إلى هذا
الخلاف الواقع بين الرواة في رفع الحديث ووقفه.

وبناء على هذا
ستخفى عليك علة هذا الحديث حيث قد وقفه الحفاظ وأخطأ في رفعه بعض الرواة
فلابد إذن من جمع الموقوفات على الصحابة والتابعين حتى يتبين من خلال ذلك
ما اختلف فيه الرواة رفعاً ووقفاً، قد يكون الخلاف الواقع بين الرواة من
قبل أو من جهة الاختلاف في وصل الحديث وإرساله بعضهم يوصل الحديث وبعضهم
يرسله، فإن أنت لم تعتني إلا بجمع الموصولات ولم تكترث روايات المرسلة
وبالاعتناء بجمعها فلربما كان الحديث الصواب فيه الإرسال ثم أخطأ من أخطأ
فوصله، الحديث وأنت لم تتطلع إلا على تلك الرواية الموصولة، فلا تتنبه إلى
علة الحديث، والعكس كذلك قد يكون الحديث صحيح من جهة الرفع والوقف، يعني
من رفعه أصاب ومن وقفه أصاب هذا وجه وذاك وجه, وهذا ما اختلف مخرجه عن
مخرج الآخر، فالعلماء يعتبرون ذلك مقويا للحديث فيعتبرون الموقوف مؤيداً
للرفع حينئذٍ قد يكون الحديث صحيحاً موصولاً ومرسلاً من وصله أصاب، ومن
أرسله أيضاً أصاب وهذا مختلف مخرجه عن مخرج هذا، فالعلماء يعتبرون أن
الموصول مؤيداً للمرسل كما أن المرسل مؤيداً للموصول كما سبق وأن شرحنا
ذلك في باب المرسل لما ذكرنا أن الإمام الشافعي -عليه رحمة الله تبارك
وتعالى - يقوي الحديث المرسل بالمسند الصحيح المتصل إلى رسول الله -صلى
الله عليه وآله وسلم- وأنه أيضاً يقوي المرسل بما جاء عن الصحابة
والتابعين من أقوالهم.

إذن ينبغي لطالب العلم أن يكون ملماً بكل ما
جاء في الباب من مرفوعات وموقوفات ومتصلات وغير متصلات فكل ذلك ينفعه
لتمييز الصواب من الخطأ، أو لمعرفة ما يتقوى به الحديث وما لا يتقوى به
الحديث، وقد أشار الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تبارك وتعالى- إلى هذا
المعنى، فروى الخطيب البغدادي -رحمه الله تبارك وتعالى- من طريق الميموني
أنه قال: « تعجب أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل، تعجب أبو عبد الله ممن
يكتب الإسناد المتصل ويدع كتابة المنقطعات » الإمام أحمد تعجب من هذا
الرجل الذي يهتم بكتابة الروايات المتصلة ويدع كتابة الروايات المنقطعة،
ثم قال الإمام أحمد «ربما كان المنقطع أقوى إسناداً » كيف يكون هو منقطع
وأقوى من المسند؟ كيف يكون هذا؟ المعنى أن الحديث قد يكون اختلف في وصله
وإرساله ومن وصله سيء الحفظ أو في حفظه بعض الخلل بينما من أرسله هو حافظ
متقن أثبت، فالذي جاء بالمرسل راو ثقة والذي جاء بالمتصل دونه في الوثاقة
فحينئذ يكون المنقطع مع ما فيه من انقطاع أثبت وأقوى وأرجح من الرواية
الموصولة لأن الذي جاء بها ليس في المنزلة وفي الحفظ والإتقان كمنزلة ذاك
الذي جاء بالرواية المرسلة، ولهذا استشكل ذلك الميموني فقال: بينه لي كيف
يكون ذلك؟ قال الإمام أحمد «تكتب الإسناد متصلاً وهو ضعيف» يعني من جاء
بهذا الإسناد رجل ضعيف ويكون المنقطع أقوى إسناداً يعني لكون الذي جاء به
من الثقات أو من الأثبات فحينئذ يكون المنقطع علة للمتصل, فإن أنت لم تعرف
من الروايات إلا ما كان متصلاً أو ما كان مرفوعاً فتخفى عليك العلل الخفية
التي امتاز علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- بمعرفتها.

هذه النقطة الأولى التي أريد التنبيه عليها في هذا الباب.

النقطة
الثانية: أن كلمة الاعتبار لها عند علماء الحديث معنيان نحن الآن نتكلم عن
معنى الاعتبار هذا المصطلح حيث يرد على ألسنة علماء الحديث -عليهم رحمة
الله تبارك وتعالى- كلمة الاعتبار، نحن ذكرنا في أول الدرس أن الاعتبار
يأتي بمعنى التقوية، فهذا راو يصلح للاعتبار وذاك لا يصلح للاعتبار، أي أن
هذا الراوي يصلح الحديث لأن يستأنس به ويستشهد به ويعتبر به لتقوية
الرواية الأخرى التي جاءت موافقة له فهذا معنى معروف ولكن ليس هو المعنى
الوحيد لكلمة الاعتبار، وكثيراً ما يأتي الاعتبار بغير هذا المعنى فيتوهما
السامع أو القاريء أن قائله لم يقصد بالاعتبار إلا ذلك المعنى الذي هو
معروف مشهور لدى الناس، وإلا فالاعتبار يأتي أحياناً بمعنى آخر وهو بمعنى
المعرفة والاختبار، وهذا كل الناس فيه سواء, كل الناس أو علماء الحديث
-عليهم رحمة الله تعالى- يعتبرون رواياتهم ويختبرونها ثم يتمخض من تلك
الاختبارات إن كان الراوي ثقة أو غير ثقة، كما مثلاً الإمام ابن معين
-عليه رحمة الله تبارك وتعالى - لما جاءه إسماعيل بن علية وقال له: يا
إمام، يا أبا زكريا، كيف حال حديثي؟ قال: «أنت مستقيم الحديث» قال وكيف
عرفتم ذلك؟ قال: «عارضنا بها أحاديث الناس فوجدناها مستقيمة ».

إذن
الإمام ابن معين لما جمع أحاديث إسماعيل بن علية واختبرها بأن عرض هذه
الأحاديث على أحاديث غيره من الناس تبين له أن هذا الرجل يوافق الثقات
كثيراً فاستدل بذلك على كونه من الثقات.

رجل آخر قد يعتبر العلماء
حديثه فيتبين لهم أنه لا يستحق أن يكون ثقة بل هو رجل ضعيف، كمثل مثلاً ما
جاء عن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين لما كان بصنعاء، الإمام أحمد
-رحمه الله تعالى- دخل على ابن معين في يوم من الأيام فرآه يكتب صحيفة
معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله
عليه وآله وسلم- ، أبان بن أبي عياش هذا متروك الحديث، فما الذي يشغل ابن
معين في كتابة هذه الصحيفة وهو يعلم أنها موضوعة، فقال له يا أبا زكريا
تكتب هذه الصحيفة وتعلم أنها موضوعة؟! قال نعم يا أبا عبد الله أكتب هذه
الصحيفة وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء كذاب فيجعل مكان أبان ثابت البناني
فأقول له كذبت إنما هذه أحاديث معمر عن أبان عن أنس وليست أحاديث معمر عن
ثابت عن أنس فيميز بين هذه الأحاديث، هو يحفظ الخطأ ويحفظ الأحاديث
الضعيفة والأحاديث الباطلة والموضوعة حتى يعرف أولاً: أحوال رواتها، ثم
إذا ما سئل عن هذه الأحاديث يعرف مخرجها وأنها عن أبان بن أبي عياش وليست
عن ثابت البناني فيميز الصواب من الخطأ.

وهكذا كان العلماء يعتبرون
الأحاديث ولهذا وجدنا مثلاً بعض العلماء -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-
يعبر بهذا المعنى يعبر عن الاعتبار أو يطلق لفظ الاعتبار على هذا المعنى
حتى في روايات الكذابين، كيف يكون الكذاب يصلح للاعتبار، يقصد بالاعتبار
أي أننا نكتب أحاديث الكذابين لنختبرها لا لنستشهد بها أو نستأنس بها،
يقول الإمام أبو يعلى الخليلي -رحمه الله تبارك وتعالى- في كتاب " الإرشاد
" له «وإن جماعة كذابين » كذابين فهو صرح بأنهم كذابين «وإن جماعة كذابين
روو عن أنس بن مالك ولم يَرْوِهِ كأبي هدبة إبراهيم بن هدبة وهذا كذاب،
ودينار وهذا كذاب، وموسى الطويل، وخراش، وهؤلاء من أشهر الكذابين في
الحديث، قال: وهذا وأمثاله لا يدخله الحفاظ في كتبهم لا يدخلونه أصلا في
الكتب» لأن الأحاديث التي تدخل في الكتب هي الأحاديث التي يحتجون بها أو
يستشهدون بها أما ما لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد فلا ينفع في الكتب،
ثم قال: وإنما يكتبونه اعتباراً ليميزوه عن الصحيح، إذن هم يكتبونه
الاعتبار هنا بمعنى المعرفة ليتميز الصحيح من غير الصحيح.

النقطة
الثالثة: ليس الغرض من الاعتبار فقط مجرد معرفة أن هذا شاهد وهذا متابع
والوقوف عند هذه الحرفيات وإنما الغرض من معرفة الشواهد والمتابعات
والاعتبار تمييز الأحاديث, تمييز الحديث إن كان محفوظاً أو غير محفوظ،
صحيحاً أو غير صحيح, هذا هو الأساس ولهذا الإمام ابن حبان -عليهم رحمة
الله تعالى- في كلامه الذي قاله في مقدمة كتابه الصحيح والذي اختصره
الإمام ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لما ذكر هذا المثال فيما يرويه حماد
بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم- قال: «الذي يلزمها أي ابتداءً ألا نبادر إلى إلصاق الوهم بحماد
بن سلمة، بل ننظر هل روى هذا الحديث عن حماد بن سلمة أصحابه؟ أم واحد فقط
هو الذي تفرد بالحديث عن حماد؟ فإن كان الحديث رواه عن حماد جماعته أصحابه
فالخطأ حينئذٍ من حماد، أما إذا كان الذي تفرد عن حماد رجل واحد لا سيما
إذا كان ضعيفاً فحينئذ يلصق الوهم بذلك الراوي الضعيف ويبرأ حماد منه».

وهذا
كلام شبيه بقصة معروفة وردت عن ابن معين -رحمه الله تبارك وتعالى- ابن
معين كان إمام الحديث وإمام في علل الحديث وإمام في الجرح والتعديل وكان
-رحمه الله تبارك وتعالى- حريصاً على أن يسمع الحديث الواحد من غير شيخ،
من شيوخ كثيرين، ومن غير وجه، هذا هو الاعتبار، ليعرف ما اتفق فيه الرواة
وما اختلف فيه الرواية، ما تفرد به بعضهم وما لم يتفرد به بعضهم ليعرف
إصابة المصيب وخطأ المخطئ، أراد أن يميز من المخطئ في تلك الأحاديث التي
يخطئ فيها حماد بن سلمة لأن حماد بن سلمة كان من شأنه الخطأ أحياناً,
فقضية خطأ حماد كانت مسلمة عند ابن معين وكان مفروغا منها ولكن بحثه إنما
هو: هل تلك الأحاديث التي وقعت خطأ في أحاديث حماد هل كل هذه الأخطاء
المخطيء فيها هو حماد أم بعضها قد يكون الخطأ فيها عن غير حماد؟.

فذهب
إلى عفان بن مسلم وهو من شيوخه الذين أخذوا عن حماد بن سلمة، فدخل عليه
وقال له: «يا عفان أريد أن أسمع كتب حماد بن سلمة التي عندك » فقال: ما
سمعتَها إلى الآن! تعجب، يعني كيف ابن معين على كثرة ما طلب من العلم إلى
الآن لم يسمع كتب حماد بن سلمة مع شهرة هذه الكتب قال: «لا قد سمعتها من
سبعة عشر رجلاً وأنت الثامن عشر» فقال والله لا حدثتك، طبعاً ابن معين كان
يقول -رحمه الله تعالى- «إنا لنسمع الحديث من ثلاثين وجهاً ثم نخطئ فيه »
يعني هو ما زال في الثامن عشر، فقال والله لا حدثتك، فقال إن هما إلا
درهمان فأنقلب إلى البصرة فأسمعها من التبوزكي موسى بن إسماعيل التبوزكي،
إن هما إلا درهمان أؤجر دابة إلى البصرة وأدخل على موسى بن إسماعيل
التبوزكي واسمعها منه، فدخل على موسى بن إسماعيل التبوزكي كانت يسيرة جداً
يذهب إلى البصرة يأتي من البصرة يذهب إلى الكوفة عميلة سهلة طافوا
البلدان، فدخل على موسى بن إسماعيل التبوزكي وقال له أريد أن أسمع كتب
حماد بن سلمة التي عندك، قال لم تسمعها حتى الآن! قال قد سمعتها من سبعة
عشر رجلاً وأنت الثامن عشر، فتعجب التبوزكي من يحيى بن معين، طبعاً
التبوزكي شيخ محدث وليس ناقد وليس من الحفاظ كما ذكرنا في اللقاء الماضي
الفرق، ليس كل من روى الحديث يكون ناقداً، ابن معين محدث ناقد كأحمد بن
حنبل كالبخاري وهكذا، قال «قد سمعتها من سبعة عشر رجلاً وأنت الثامن عشر»،
قال: وماذا تفعل بهذا؟ فقال: -هذه هي القاعدة موضع الشاهد عندنا- «إن حماد
بن سلمة كان يخطئ فأريد أن أميز بين ما أخطأ فيه حماد بنفسه وما أخطئ عليه
» أرأيت الدقة، دقة المحدثين هو يعلم أن الحديث خطأ لكن يريد أن يعرف
الخطأ من حماد أم من الراوي عنه، إنصاف، وليس كهذه الأيام كلما وجدت راويا
ضعيفا يكون هو المخطئ قد يكون شيخه الذي أخطأ وهو لم يخطيء في هذا الحديث
وإذا وجدت في الإسناد أكثر من راو من الممكن أن يتوجه إليه الخطأ فلا
تبادر إلى إعلال الحديث بالرجلين فلربما كان الخطأ من أحدهما والآخر بريء
من ذلك والعلماء لهم في ذلك جولات وأمثلة ذلك كثيرة لا يسعها المقام.

«إن
حماد بن سلمة كان يخطئ فأريد أن أميز بين ما أخطأ فيه حماد بنفسه وما أخطئ
عليه فإذا رأيت أصحاب حماد قد اتفقوا على شيء عرفت أن الخطأ من حماد أما
إذا وجدت أصحاب حماد قالوا شيئاً وواحد منهم هو الذي تفرد بهذا الوجه
الخطأ عرفت أن الخطأ من هذا الواحد وليس من حماد فأميز بين ما أخطأ فيه
حماد بنفسه وما أخطئ عليه» هذا هو الاعتبار.

إذن العلماء -عليهم
رحمة الله تبارك وتعالى- يستفيدون بذلك، بماذا؟ بمعرفة من المخطئ في
الرواية ومن المصيب فيها؟ وهل هذه الرواية من الممكن أن تؤثر في الرجل
نفسه فتكون سبباً في تجريح العلماء له أم لا؟

نقطة أخرى أو فائدة
أخرى من فوائد الاعتبار وهو معرفة تمييز الرواة كما فعل ابن معين هكذا عرف
أن حماد بن سلمة يخطئ وأن هذه الأحاديث أخطأ فيها وتلك لم يخطئ هو فيها
وإنما أخطأ فيها بعض الرواة الآخرون فيجمعون كل ذلك ليعرفوا كم حديثاً
رواه ذلك الراوي؟ وكم حديثاً أصاب فيه؟ وكم حديثاً أخطأ فيه؟ فيميزون بين
إصاباته وأخطائه فإن كثرت أخطاؤه كان ذلك دليلاً على سوء حفظه أما إذا
كانت أخطاؤه قليلة بقدر إصاباته أو في جنب إصاباته فهي لا تؤثر عليه جرحاً
وإن كانت تلك الأحاديث هي محكوم بكونها أخطاء.

الفائدة الأخيرة
هناك فرق بين ثبوت المتابعة أو الشاهد وبين أن يعتد بها ويدفع بمقتضاها
التفرد الواقع في الرواية، ليس كل متابعة تجيء في الروايات يكون لها
التأثير الذي يرجى من المتابعة، يعني وجدنا كذاباً تابع راوياً، المتابعة
وجدت أم لا؟ وجدت لكن متابعة الكذاب تنفع؟ لا تنفع، ووجود متابعة الكذاب
وعدمها سواء.

الأمر الآخر: قد تكون المتابعة صورية لا حقيقة لها في
الواقع، صورية لا حقيقة لها في الواقع يعني الحديث فرد تفرد به الراوي ثم
جاء بعض الضعفاء فروى رواية أخرى تضمنت متابعة لبعض الرواة للحديث فأوهم
ذلك المتابعة، ومع ذلك لا يعتد العلماء بهذه المتابعة ولا يحكمون بمقتضاها
ولا يدفعون التفرد عن الراوي الأول.

مثاله، نحن نعلم أن حديث
الأعمال بالنيبات حديث فرد تفرد به يحيى الأنصاري عن محمد بن إبراهيم
التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله
عليه وآله وسلم- من المتفرد بهذا الحديث محمد بن إبراهيم التيمي، هكذا
العلماء قالوا، هذا الحديث من أفراد محمد بن إبراهيم التيمي وإن كان
حديثاً صحيحاً، نحن كما قلنا ليس كل ما تفرد به الراوي يكون ضعيفاً بل من
الأفراد ما هو صحيح ومنه ما هو غير صحيح.

جاء بعض الرواة ممن في
حفظهم بعض الضعف ولكن لم يكونوا ضعفاء يعني نستطيع أن نقول صدوق في
الجملة، هذا راو روى حديثاً عن الربيع بن جابر الضبي عن محمد بن عمرو بن
علقمة عن محمد بن إبراهيم التيمي، إذن صار محمد بن عمرو بن علقمة متابعاً
ليحيى الأنصاري العلماء ماذا قالوا؟ قالوا: هذا خطأ هذا باطل هذا لا أصل
له إنما الحديث حديث يحيى الأنصاري ومن رواه عن غير يحيى الأنصاري فقد
أخطأ في ذلك، فتلك متابعة وردت أم لا؟ وردت ولكنها ناتجة عن خطأ بعض
الرواة أي أبدل راوياً براو فأوهم التعدد، أوهم أن الحديث يرويه أكثر من
راوٍ والواقع أنه لم يروه إلا راو واحد، ويقع أيضاً هذا في الشواهد، مثاله
مثلاً حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبي
قتادة الأنصاري عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ( إذا
أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ) هذا حديث صحيح ولكن هكذا إسناده، هو
من حديث أبي قتادة الأنصاري ومن رواه عن غير أبي قتادة الأنصاري فقد أخطأ،
فجاء جرير بن حازم وهو رجل صدوق ولكنه يخطيء أحياناً فرواه عن ثابت
البناني عن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال (
إذ أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ) قال العلماء هذا خطأ، الحديث ليس
من حديث أنس بن مالك أبداً إنما هو من حديث أبي قتادة الأنصاري فمن أبدل
الصحابي ها هنا أخطأ في ذلك.

إذن الشواهد أيضاً قد تأتي ولا يعتد بها العلماء ولا يحكمون بمقتضاها، لكونها خطأ من قبل بعض الرواة.

قد
يكون الحديث مع ذلك الحديث تفرد به راو واحد ومع ذلك ظهر أن هناك راو آخر
يرويه، ولكن بعد التتبع والصبر والاعتبار والتفتيش في الكتب والروايات
تبين أن أحد الرجلين أخذ الحديث من الآخر، فبعد أن كانت الرواية توهم
التعدد تبين أن إحدى هذه الروايات راجع إلى الآخر أحد المخرجين راجع إلى
مخرج الرواية الأخرى فصار في الرواية رواية فردة غريبة لا تعدد فيها من
ذلك حديث يرويه محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة عن
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( صلاة بسواك أفضل من سبعين ركعة
بغير سواك ) هذا الحديث حديث موضوع، ولكن أنت إذا تأملت الإسناد تقول هذا
الإسناد محمد بن إسحاق صدوق والزهري إمام حافظ وعروة كذلك يرويه عن عائشة
أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فلو
أن محمد بن إسحاق توبع بأي متابعة فإن هذا ينفعنا، فوجدنا راوياً آخر اسمه
معاوية بن يحيى الصدفي قد تابع محمد بن إسحاق، فالباحث الذي لا يتأمل
الأسانيد ولا يعرف مسالك العلماء في اعتبار الروايات قد يغتر بذلك ويقول
محمد بن إسحاق لم يتفرد بالحديث بل تابعه معاوية بن يحيى الصدفي وهو إن
كان فيه ضعف لكن مثل هذا ينفع في باب الشواهد والمتابعات، ولكن تبين لأهل
العلم كأبي زرعة وغيره من نقاد الحديث أن محمد بن إسحاق أصلاً أخذ الحديث
من معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري ثم أسقطه لأنه كان يدلس وارتقى
بالحديث إلى الزهري على سبيل التدليس مباشرة فرجع الحديث إلى أنه من حديث
معاوية بن يحيى الصدفي فلأجل هذا لم يكن تلك المتابعة موضع اعتداد ولا
يبنى عليها دفع التفرد المنسوب إليه الراوي والله أعلم، هذا ما أردت أن
أنبه عليه فيما يتعلق بباب الاعتبار.

قال المصنف -رحمه الله تعالى- (النوع
السادس عشر في الأفراد، وهو أقسام: تارة ينفرد به الراوي عن شيخه كما تقدم
أو ينفرد به أهل قطر كما يقال تفرد به أهل الشام أو العراق أو الحجاز أو
نحو ذلك، وقد يتفرد به واحد منهم فيجتمع فيه الوصفان والله أعلم، وللحافظ
الدارقطني كتاب في الأفراد في مائة جزء ولم يسبق إلى نظيره وقد جمعه
الحافظ محمد بن طاهر في أطراف رتبه فيها
.)

نحن قلنا: إن من
أسباب رد الرواية أن يتفرد بها الراوي وذكرنا أيضاً أنه ليس كل تفرد يكون
دليلاً على خطأ الراوي، وإنما يقع ذلك حيث تنضم قرينة إلى ذلك التفرد
فترشد الناقد إلى أن خطأ في الرواية قد وقع، هنا تكلم عن التفرد وسيتكلم
في أواخر الكتاب عن الحديث الغريب وكثير من المسائل التي يطرحونها في باب
الأفراد موجودة أو معادة هناك في باب الغريب أيضاً.

تكلم هنا على
أن الحديث الفرد هو الذي يرويه راو واحد يتفرد به لا يتابعه عليه غيره،
وأن هذا التفرد منه ما هو تفرد مطلق ومنه ما هو تفرد نسبي التفرد المطلق
أي أن يكون الحديث لا يروى في الدنيا إلا بهذا الإسناد لا يروى بغير هذا
الإسناد ولو على أي وجه من الأوجه بخلاف التفرد النسبي فقد يكون الحديث
مشهوراً معروفاً عن بعض الرواة، ولكن إذا رويته عن رواياً آخر فهو غريب،
كما ذكرنا مثلاً في حديث ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)فهو
محفوظ مشهور يرويه الناس عن يحيى بن أبي كثير بالإسناد إلى أبي قتادة
الأنصاري، أما روايته عن ثابت البناني عن أنس فذلك يعد غريباً تفرد به
جرير بن حاتم عن ثابت البناني.

هذه غرابة مطلقة أم بالنسبة إلى
حديث ثابت؟ بالنسبة إلى حديث ثابت عن أنس وإلا فالحديث مشهور من غير طريق
ثابت فهو مشهور عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي
قتادة الأنصاري -رضي الله عنه وأرضاه- وأحياناً يستعملون التفرد حيث ينسب
إلى بلد معينة فيقولون هذه سنة لا تعرف إلا عند المكيين هذه سنة لا تعرف
إلا عند البصريين ونحو ذلك وغالباً ما يكون الإسناد مسلسلاً برواة هذه
البلد فيقولون هذه سنة تفرد بها أهل البلد الفلانية أو تفرد بها واحد من
بلد معينة فينسب التفرد تفرد هذه السنة إلى أهل هذه البلد ويقصدون واحداً
منهم لا أنهم جميعاً رووا الحديث وإلا لو أنهم رووا ذلك الحديث لما كان
فرداً من هذه الحيثية وأحياناً يقولون هذا الحديث فرد بالنسبة إلى الثقات
يعني لم يروه ثقة عن الزهري إلا مالك، كما قالوا في حديث المغفر قالوا لم
يروه عن الزهري ثقة إلا مالك، وإلا فقد رواه عن الزهري غير مالك من غير
الثقات، أما الثقات فلم يروه إلا مالك عن الزهري، هذا هو ما يتعلق بهذه
الاصطلاحات الواردة في هذا الباب إجمالا، وأيضاً لي نقاط وتنبيهات في هذا
الباب أريد أن أنبه إخواني عليها لأن كثيراً من طلبة العلم يغفلون عن بعض
المسائل وبعض التفريعات المتعلقة بهذا الباب فيقعون في أخطاء وفي سوء فهم
لبعض كلمات العلماء الواردة في هذا الباب.

أولاً: علماء الحديث
-عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- كانوا يذمون عموماً الأفراد والغرائب
ويمدحون المشاهير، ويمدحون رواية المشاهير لأن الأفراد والغرائب الغالب
فيها الضعف بخلاف الأحاديث التي يرويها أكثر من واحد فهي أبعد ما تكون عن
الخطأ والضعف ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول لا تكتبوا هذه
الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء، طبعاً إذا كانت عن
الثقات فهي أحاديث صحيحة إلا أن يتبين خطأ هذا الراوي الثقة، وكان الإمام
أحمد -رحمه الله تعالى- يقول «شر الحديث الغريب التي لا يعمل بها ولا
يعتمد عليها» وقال الإمام مالك «شر العلم الغريب وغير العلم الظاهر الذي
قد رواه الناس » وكان عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى- «العلم الذي
يجيئك من ها هنا وها هنا » يعني المشهور هذا هو العلم، وكان الإمام أحمد
ينكر الذي يطلب الأسانيد الغريبة التي أخطأ فيها الرواة ويستكثر من ذلك
وقال: «يجيئون بثلاثين إسناداً أو بنحو ذلك ما أقل العلم عندهم » يعني
يضيعون الوقت في سماع الأخطاء التي أخطأ فيها الرواة وقيل لابن معين لماذا
لا تسمع بعض الأحاديث الغرائب قال: ألهاكم التكاثر، يعني أن تستكثروا من
الأشياء التي لا منفعة من وراءها ولا تأثير فيها ولا رجاء من ورائها.

الأمر
الثاني: علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- كما قلنا لا يعتبرون
مجرد التفرد علة، وإنما العلة التفرد مع ما انضم إليه من دليل يدل على
الخطأ أو من قرينة ترجح جانب الخطأ فهذا هو التفرد الذي يكون خطأ أو
التفرد الذي يعل به الحديث وأنا كنت قد جمعت ذلك في أبيات لا بأس أن
تعرفوها لتكون ضابطاً عاماً للأسباب التي إذا انضمنت إلى التفرد يكون ذلك
دليلاً على الخطأ, ويكون موجباً لإعلال الحديث وهذه المعاني التي ضمنتها
هذا النظم ليست جامعة لكل القواعد التي يمكن أن تنضم إلى التفرد فيكون ذلك
دليلاً على خطأ الراوي أو على علة الحديث, وإنما هذا أكثر ما يستعمل ويوجد
في كلام أهل العلم -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-.

قلت:

• وكثر الإعلال بالتفرد لدى أئمة الحديث العمد

• وجاء ذم الفرد عن جمهور العلما والمدح للمشهور

• فقو الاعلال به إن تقترن به قرينة كأن يكون من

• نازل أو من هم دون أهل الحفظ والإتقان أو مقل

• أو عن إمام مكثر أصحابه قد جمعوا حديثه

• أو كتبه مشهورة أو أن يكون الخبر إسناده أو متنه مستنكر

• أو جرت العادة باشتهار ما كان مثله من الأخبار

• أو اعترى الرواية اختلاف يقدح وهو عندهم أصناف

فهذه
ضوابط عامة لمعرفة المعاني التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك دليلاً
على خطأ هذا الراوي المتفرد ونحن نشرح هذه المعاني بشيء من الإيجاز ليتسع
لنا المقام:

أولاً: أن يكون التفرد الذي وقع في الرواية من قبل راو
متأخر نازل في الطبقة ونحن ذكرنا في لقاء سابق ما ذكره الإمام الذهبي
-رحمه الله تبارك وتعالى- لما ذكر الحفاظ الثقات ورتبهم على الطبقات من
الصحابة حتى إلى زمن مشايخه، فذكر في كل طبقة طبقة من كان في هذه الطبقة
من كبار الحفاظ من كبار الثقات الحفاظ فبعد أن سمى هذه الطبقات وسمى
الأعلام الحفاظ في هذه الطبقات، قال: « فهؤلاء الحفاظ الثقات إذا انفرد
الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح، وإن كان من الأتباع أي أتباع
التابعين قيل صحيح غريب» انظر تغير الحكم باختلاف الطبقة ثم قال: «وإن كان
من أصحاب الأتباع قيل غريب فرد» لم يقل صحيح حينئذٍ ثم قال: «ويندر تفردهم
فتجد الإمام منهم » هو لا يتكلم عن الضعفاء وإنما يتكلم عن الثقات الحفاظ
«فتجد الإمام منهم عنده مائة ألف حديث لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة ثم قال
وأما من بعدهم فأين ما ينفردون به ما علمته وقد يوجد » ثم قال: «وقد يسم
جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثله شيء وهو من الثقات وحفص بن
غياث وهو أيضاً من الثقات منكراً» يعني يسمون تفرد هؤلاء الثقات مناكير؛
لأنهم نازلون في الطبقة ثم قال: «فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة
يعني شيوخ البخاري وشيوخ مسلم إذا انفردوا أطلقوا النكارة على ما انفرد به
مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوزكي وقالوا هذا حديث منكر» هو يتكلم
عن الثقات الحفاظ ثم بين أن تفرد هؤلاء الثقات الحفاظ يختلف الحكم عليه
باختلاف الطبقة وقد رأيت أننا كلما نزلنا بالطبقة كلما كان التفرد أقرب من
الضعف منه إلى القبول.

والإمام البيهقي -عليه رحمة الله تبارك
وتعالى - قال في كرام معروف له قال: «فمن ينفرد اليوم بحديث لا يوجد عند
غيره لا يقبل منه » هو إنما يتكلم عما ينفرد به الثقات لا ما ينفرد به
الضعفاء، فمن ينفرد اليوم بحديث لا يوجد عند غيره لم يقبل ذلك منه وبطبيعة
الحال هذه مسألة دقيقة جداًً وتحتاج إلى كلام طويل وإنما نجتزيء اليوم على
إشارات لعل يكون فيها هداية لطالب العلم.

السبب الآخر من الأسباب
التي إذا ما انضمت إلى التفرد كان ذلك علة في الحديث أن يكون التفرد من
قبل واحد ليس من الحفاظ وإنما هو من دون الحفاظ ونحن ذكرنا في اللقاء
السابق أن من دون الحفاظ يسمون بالشيوخ، وهؤلاء تفرداتهم ليست كتفردات
الحفاظ، الحافظ سمع كثيرا، سمع فأوعى فبإمكانه أن يأتي بما لا يعرفه غيره،
فيتفرد مثل ذلك ويحتمل منه التفرد.

أما من لم يطلب من العلم إلا
القليل لم يسمع من العلم إلا الحديث والحديثن والثلاثة ولم يرحل إنما سمع
من أهل بلده فقط فأنى لمثل هذا أن يأتي بشيء لا يعرفه غيره من الثقات
الحفاظ.

ولهذا يقول الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تبارك
وتعالى- «وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به
واحد وإن لم يرو الثقات خلافه» يعني لم تقع خلاف مجرد تفرد، «يقولون إنه
لا يتابع عليه ويجعلون أن ذلك علة فيه» ثم بين أن ليس كل تفرد يكون علة في
الحديث فقال: «اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه
كالزهري ونحوه» هؤلاء كبار الحفاظ يحتمل من مثلهم أن يأتوا بما لا يعرف
عند غيرهم، قال وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل
حديث نقد خاص ليس عندهم لذلك ضابطٌ يضبطه، إنما عموماً الثقات الحفاظ
الأصل أن تقبل تفرداتهم، أما الشيوخ الذين لا يعرفون بكثرة السماع
والرواية فهؤلاء الأصل عدم قبول تفرداتهم اللهم إلا أن يتبين في حديث ما
أن هذا الحافظ أخطأ فيه فلا يقبل منه أو أن هذا الشيخ أصاب فيه فيقبل ذلك
منه وهذا راجع إلى الاعتبارات الأخرى والقرائن المحتفة بالرواية.

المعنى
الرابع: أن يكون الحديث قد رواه راو مقلاً من الرواية كما نحن قلنا المكثر
يحتمل من مثله أن يأتي بما لا يعرفه غيره أما المقل هو أصلاً لم يرو إلا
القليل من الحديث فأنى لمثل هذا أن يأتي بشيء لا يعرفه غيره ولهذا كان ابن
عون يقول: «لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له بالطلب واشتهر ذلك بين الناس»
وكان الإمام شعبة بن الحجاج خذوا العلم من المشهورين، وسئل الإمام أبو
حاتم الرازي -رحمه الله تبارك وتعالى- عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع،
فقال: «لا بأس بحديثه ليس منكر الحديث» فهذ العبارة تدل على أن الراوي في
جملة الثقات وإن كان من أدنى مراتب الثقات، ثم قيل له يا إمام أيحتج
بحديثه؟ قال: «لا هو يحدث بشيء يسير هو شيخ» يعني مقل من الرواية فمثل هذا
لا يحتمل منه أن يحتج بما تفرد به إنما يصلح في الشواهد، يصلح في أن
يستأنس بروايته، في أن يعتبر بروايته فيقوى بها رواية أخرى لكن أن يعتمد
عليه وأن يؤخذ منه أصل لا يوجد عند غيره فهذا أمر آخر.

وكما جاء عن
أبي حاتم أيضاً في موضع آخر لما سئل عن بعض الشيوخ أيحتج به قال: «من كل
ألف شيخ يحتج بشيخ » لا يقصد بالشيوخ إلا المعنى الذي شرحناه سابقاً من
أنهم من دون الحفاظ، المقلون، الذين لا يعرفون بكثرة السماع ورواية
الحديث، وسئل الإمام أحمد عن إسماعيل بن زكريا الخلقاني، فقال: «أما
الأحاديث المشهورة» انظر معنى أنها مشهورة أنه لم يتفرد بها وإنما يرويها
غيره أيضاً، «أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث
صالح، ولكن ليس ينشرح الصدر لها » يعني فيما تفرد به.

قيل له
لماذا؟ قال: «لأنه ليس يعرف بالطلب » ليس يعرف بطلب لم يتفرغ لم يفن عمره
في طلب الحديث, وإنما جلس مجالس قليلة أو سمع أحاديث قليلة وليس كالذي
أفنى عمره في طلب الحديث، وقال في رواية أخرى: «ما كان به بأس» إذن هو
عنده من جملة الثقات، ومع ذلك لكونه ليس معروفاً بالطلب، أي مقل في
الرواية لم يعتن بالرواية العناية الكبيرة فلأجل هذا لا يعتمد عليه ولا
يحتج بما تفرد به، وهذا الراوي نفسه لم سئل عنه يحيى بن معين قال: «ليس به
بأس» وابن معين إذا قال ليس به بأس فهو عنده من الثقات، ثم قال في موضع
آخر: «صالح الحديث» قيل له أيحتج به قال: «لا, الحجة شيء آخر» نحن نقول
صالح الحديث ليس به بأس واضح هذا الكلام من حيث ما يستحقه الراوي من حيث
منزلته في الجرح والتعديل لكن الحجة شيء آخر، لأن الحجة بالحديث ليس
متوقفا على حال الراوي فقط كما قلنا في اللقاء السابق حال الراوي من جهة
ومدى أهليته لقبول ذلك الذي تفرد به من عدم أهليته لذلك، وقال الإمام
الذهبي في حديث رواه مجاهد بن وردان عن عروة عن عائشة قال: «إن مجاهد هذا
شيخ محله الصدق مقل» إذن هو من جملة الثقات ولكنه مع ذلك مقل من الحديث،
فقال الذهبي ماهو كالزهري وهشام بن عروة في التثبت، وهو إن كان من جملة
الثقات لكن ليس كهؤلاء الكبار الحفاظ.

كيف نتعامل مع حديث مثل هذا
الرجل؟ قال: «فتفرده بالجهد أن يكون صحيحاً غريباً ولو استنكر حديثه هذا
لساغ » إذن لم يعامله معاملة الزهري وهشام بن عروة من كبار الح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3arabia.ahlamontada.net
 
شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير -
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  اختصار علوم الحديث - شرح الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم
»  سلسلة الاربعون النووية وشرحها ---الحديث الثاني---
» علل الحديث
»  تفسير ابن كثير ( تفسير القرآن العظيم )
» « موسوعة احاديث قدسيه صحيحه مع الشرح » « الحديث رقم ١٦ »

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الجزائر العربية :: المنتديات الإسلامية :: الحديث و السيرة النبوية-
انتقل الى: